سورة الروم - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الروم)


        


{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلاً إلى قَوْمِهِمْ فَجَاءوهُم بالبينات} أي فآمن بهم قوم وكفر بهم قوم، ويدل على هذا الإضمار قوله {فانتقمنا مِنَ الذين أَجْرَمُواْ} أي كفروا بالإهلاك في الدنيا {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ المؤمنين} أي وكان نصر المؤمنين حقاً علينا بإنجائهم مع الرسل. وقد يوقف على {حقاً} ومعناه وكان الانتقام منهم حقاً ثم يبدأ {علينا نصر المؤمنين} والأول أصح {الله الذى يُرْسِلُ الرياح} {الريح} مكي {فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ} أي السحاب {فِى السماء} أي في سمت السماء وشقها كقوله {وَفَرْعُهَا فِى السماء} [إبراهيم: 24] {كَيْفَ يَشَاء} من ناحية الشمال أو الجنوب أو الدبور أو الصبا {وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} قطعاً جمع كسفة أي يجعله منبسطاً يأخذ وجه السماء مرة ويجعله قطعاً متفرقة غير منبسطة مرة. {كسفا} يزيد وابن ذكوان {فَتَرَى الودق} المطر {يَخْرُجُ} في التارتين جميعاً {مِنْ خِلاَلِهِ} وسطه {فَإِذَا أَصَابَ بِهِ} بالودق {مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ} يريد إصابة بلادهم وأراضيهم {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} يفرحون.
{وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ} المطر {مِن قَبْلِهِ} كرر للتأكيد كقوله: {فَكَانَ عاقبتهما أَنَّهُمَا فِى النار خالدين فِيهَا} [الحشر: 17] ومعنى التوكيد فيها الدلالة على أن عهدهم بالمطر قد تطاول فاستحكم بأسهم فكان الاستبشار على قدر اغتمامهم بذلك {لَمُبْلِسِينَ} آيسين {فانظر إلى ءاثار} شامي وكوفي غير أبي بكر. وغيرهم {أَثَرِ} {رَّحْمَةِ الله} أي المطر {كَيْفَ يُحْيىِ الأرض} بالنبات وأنواع الثمار {بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ} أي الله {لمحيي الموتى} يعني أن ذلك القادر الذي يحيي الأرض بعد موتها هو الذي يحيي الناس بعد موتهم، فهذا استدلال بإحياء الموات على إحياء الأموات {وَهُوَ على كُلّ شَئ قَدِيرٌ} أي وهو على كل شيء من المقدورات قادر وهذا من جملة المقدورات بدليل الإنشاء.


{وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا} أي الدبور {فَرَأَوْهُ} أي أثر رحمة الله لأن رحمة الله هي الغيث وأثرها النبات. ومن قرأ بالجمع رجع الضمير إلى معناه لأن معنى آثار الرحمة النبات واسم النبات يقع على القليل والكثير لأنه مصدر سمي به ما ينبت {مُصْفَرّاً} بعد إخضراره. وقال: {مصفرا} لأن تلك صفرة حادثة. وقيل: فرأوا السحاب مصفراً لأن السحاب الأصفر لا يمطر. واللام في {لئن} موطئة للقسم دخلت على حرف الشرط، وسد مسد جوابي القسم والشرط {لَّظَلُّواْ} ومعناه ليظلن {مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ} أي من بعد اصفراره أو من بعد الاستبشار، ذمهم الله تعالى بأنه إذا حبس عنهم المطر قنطوا من رحمته وضربوا أذقانهم على صدورهم مبلسين، فإذا أصابهم برحمته ورزقهم المطر استبشروا، فإذا أرسل ريحاً فضرب زروعهم بالصفار ضجوا وكفروا بنعمة الله فهم في جميع هذه الأحوال على الصفة المذمومة، وكان عليهم أن يتوكلوا على الله وفضله فقنطوا، وأن يشكروا نعمته ويحمدوه عليها ففرحوا، وأن يصبروا على بلائه فكفروا. {فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى} أي موتى القلوب أو هؤلاء في حكم الموتى فلا تطمع أن يقبلوا منك {وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعاء} {ولا يسمع الصم} مكي {إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ} فإن قلت: الأصم لا يسمع مقبلاً أو مدبراً، فما فائدة هذا التخصيص؟ قلت: هو إذا كان مقبلاً يفهم بالرمز بالإشارة فإذا ولى لا يسمع ولا يفهم بالإشارة {وَمَا أَنتَ بِهَادِ العمى} أي عمى القلوب، {وما أنت تهدى العمي} حمزة {عَن ضلالتهم} أي لا يمكنك أن تهدي الأعمى إلى طريق قد ضل عنه بإشارة منك له إليه {إِن تُسْمِعُ} ما تسمع {إلاَّ مَنْ يُؤمن بآياتنا فهم مسلمون} منقادون لأوامر الله تعالى.


{الله الذى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ} من النطف كقوله {مّن مَّاء مَّهِينٍ} [المرسلات: 20] {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةٍ} يعني حال الشباب وبلوغ الأشد {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً} يعني حال الشيخوخة والهرم {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} من ضعف وقوة وشباب وشيبة {وَهُوَ العليم} بأحوالهم {القدير} على تغييرهم وهذا الترديد في الأحوال أبين دليل على الصانع العليم القدير. فتح الضاد في الكل: عاصم وحمزة، وضم غيرهما وهو اختيار حفص، وهما لغتان والضم أقوى في القراءة لما روي عن ابن عمر قال: قرأتها على رسول الله صلى الله عليه وسلم {من ضَعف} فأقرأني {من ضُعفٍ} {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة} أي القيامة سميت بذلك لأنها تقوم في آخر ساعة من ساعات الدنيا، أو لأنها تقع بغتة كما تقول في ساعة لمن تستعجله وجرت علماً لها كالنجم للثريا {يُقْسِمُ المجرمون} يحلف الكافرون، ولا وقف عليه لأن {مَا لَبِثُواْ} في القبور أو في الدنيا {غَيْرَ سَاعَةٍ} جواب القسم استقلوا مدة لبثهم في القبور أو في الدنيا لهول يوم القيامة وطول مقامهم في شدائدها أو ينسون أو يكذبون {كَذَلِكَ كَانُواْ يُؤْفَكُونَ} أي مثل ذلك الصرف كانوا يصرفون عن الصدق إلى الكذب في الدنيا ويقولون ما هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين.
{وَقَالَ الذين أُوتُواْ العلم والإيمان} هم الأنبياء والملائكة والمؤمنون {لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كتاب الله} في علم الله المثبت في اللوح أو في حكم الله وقضائه {إلى يَوْمِ البعث} ردوا ما قالوه وحلفوا عليه وأطلعوهم على الحقيقة، ثم وصلوا ذلك بتقريعهم على إنكار البعث بقولهم {فهذا يَوْمُ البعث ولكنكم كُنتمْ} في الدنيا {لاَ تَعْلَمُونَ} أنه حق لتفريطكم في طلب الحق واتباعه. والفاء لجواب شرط يدل عليه الكلام تقديره: إن كنتم منكرين البعث فهذا يوم البعث الذي أنكرتموه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7